الأربعاء، 12 نوفمبر 2008

الغباء الصناعي.. وعبقرية الـ2%!

محمد عماد حجاب

يقولون إن الإنسان العبقري يستخدم 2% من قدرات عقله.. نسبة بهذه البساطة 2% هي ما يجعل العالم الذي نعيش فيه طائرات وصواريخ وبواخر وذرة وتجارب مرعبة فعلاً لا يمكن لأحد تخيلها بـ2% فقط.. يعني الإمام الشافعي الذي كان يحفظ الصفحة بمجرد نظرة كان يستخدم 2% فقط من قدراته! ورغم هذا تجدنا في مصر لا نحاول أن نستخدم أي شيء من ذكائنا الفطري.. لماذا؟ سؤال أطرحه على نفسي قبل أي شخص آخر بأمثلة في حياتنا .. ربما أجبت عن سؤال سرمدي بالنسبة لي..

لماذا يقوم الناس بعمل إرسال للرسائل التي تصلهم على الإيميل لخمسمائة ألف شخص بدون أي تقصي لحقيقة الإيميل؟ هل يمكن أن أعتبر هذا كسل أم تواكل أم غباء.. ثم بالله عليكم ما هو أصل الرسالة التي تأتي كل خمس دقائق لصندوق بريدي لتخبرني أن حسابي في "الهوتميل" سوف يتم إغلاقه إن لم أرسل الرسالة لعشرة أشخاص.

هذا لأن "الهوتميل" سوف يصبح غير مجاني خلال عشرة أيام.. ترى من المستفيد من هذه الطريقة.. المستفيد الوحيد هو الشخص الذي بدأ سلسلة الرسائل تلك فتلك الرسائل تصله في النهاية بشكل أو بآخر.. عندها سيجد معه أكثر من 5000 بريد إليكتروني يقوم ببيعهم لأي شركة إعلانات ودعاية بمبلغ محترم جدا وهو جالس على مقعده الدافئ لم يتركه قيد أنملة, حسناً في هذه الحالة الغباء ليس سيئاً لهذه الدرجة.. لقد استغل الغباء والجشع البشري بسرعة لا تصدق.

المثير للضحك أن إحدى تلك الرسائل وصلتني قائلة أن الرسالة تحمل الخبر اليقين أن "هوتميل" سوف تقوم بإيقاف الخدمة وجعلها بتكلفة مادية وأرفق معها وصلة إليكترونية لموقع قناة الـBBC, وأن هذا دليل قاطع.. ووجدت أن الرسالة تصلني كل دقيقتين من أشخاص لا علاقة لهم ببعضهم مما يعني أن الرسالة انتشرت بشكل وبائي.. فتحت الوصلة أخيراً.. لأجد ببساطة أن الخبر المنشور ينص على أن "الهوتميل" سيقوم بجعل بعض خدامته غير مجانية على سبيل التجربة, ونظرت لتاريخ الخبر لأجده ديسمبر 2002.. أي أن كاتب المقال إياه ربما قد لقي ربه منذ ستة أعوام لكن أحداً لم يكلف خاطره لكي ينظر إلى الموجود، الجميع وجد أن الراسل قد وضع رسالته وفيه واصلة (ياله من شخص واثق, لا يجب أن أبحث وراء شخص كهذا) أعتقد أنه لو ادعى شخص أن المسيخ الدجال قد ظهر ونشرها في إيميل فسوف تجدها على كل لسان وسلم لي على شركات الدعاية والإعلان.

هذه الرسائل تلعب على نمط خطير في البشر, هو البحث عن سرعة الكسب دائماً في أي شيء.. الجميع يريد أن يكون غنياً, جميلاً وسيماً ويا ريت يخش الجنة كمان في الآخر يبقى كده الواحد يموت وهو راضٍ عن نفسه.

في إحدى حلقات المسلسل التليفزيوني الكارتوني الأشهر عائلة سمبسون The Simpsons حاول بطل المسلسل هومر أن ينصب على الناس بطريقة تشبه كثيراً ما يحدث بأن جاء بجهاز يطلب الأرقام أتوماتيكياً ويبلغ من يرد على التليفون رسالة مسجلة منه "أرجوك أرسل لي دولاراً واحداً لأمنحك سر السعادة".

أصبح في آخر الحلقة من الأثرياء, لأنه كان عبقرياً ولم يعد أحد بشيء سوى أن داعب حلم الجشع وكل شخص خمن سر السعادة كما يترائى له.. حتى عندما انتهى الأمر بتوبته عما يفعل قام بتسجيل رسالة جديدة على الجهاز "أنا آسف لأني نصبت عليك لو كنت قد تقبلت اعتذاري أرسل دولاراً واحداً إليّ لأعرف أنك تقبلت العذر".

أعلم أنني أذكرك الآن بالرسائل التي تأتيك كل أسبوع حول زوجة الرئيس الأفريقي المتوفى الذي نهب بلده وتريد أن تمنحها رقم حسابك لتودع فيه كل ثروتها التي تقدر بالملايين في مقابل منحك مليون دولار عربون صداقة وحب, ورغم أن أحداً لم يستجب إلى تلك الرسائل إلا أنها تستمر.

في يوم أرسلت لي فتاة روسية رسالة تقول أنها رأت حسابي في "الفيس بوك" وأنه أثار لديها الحنين للمجيء لبلادي, لتبدأ حياة جديدة.

تعجبت قليلاً وثارت فيّ حمية (الأقصر بلدنا) أو (يلا نشجع السياحة) وبدأت في المراسلة كأي أبله, لأجد سلسلة رسائل تخبرني أنها في اتجاهها من قريتها على حدود الصين إلى موسكو, وبعد فترة زمنية تقدر باليوم, أجد رسالة دقيقة أخرى بصورة لجواز السفر للفتاة.. وأنها أيقنت أخيراً أنها وجدت حب حياتها.. إلى هنا بدأ شيطان الشك ينمو بداخلي .. لكن بعد يوم آخر وجدت رسالة تخبرني أنها احتجزت في مطار موسكو؛ لأن أموالها انتهت وينقصها حوالي 750 يورو.. وأن عليّ أن أرسلهم لها عبر الويسترن يونيون بسرعة لكي تتمكن من المجيء في خلال ساعات قليلة لأن طائرتها ستقلع.

نظرت إلى الموقع الرسمي لمطار موسكو فلم أجد طائرة قادمة للقاهرة في اليومين القادمين, فضحكت حتى دمعت عيناي؛ لأن هذه كانت أبرع وسيلة نصب كادت تحدث لي منذ فترة.. والمبلغ المطلوب مهول فعلاً لو حسبتها.

إن صبر هؤلاء بإرسال ملايين الرسائل لكي يحصلوا على مبلغ مثل هذا من شخص أو شخصين كل فترة, لهو أمر يستحق الإعجاب.. المثابرة دائماً تثير إعجابي حتى لو كان المثابر لصاً.

نقلا عن
http://www.boswtol.com/5gadd/nsahsah_221_021.html

ليست هناك تعليقات: