الجمعة، 19 سبتمبر 2008

نظرة على إشكالية المصطلحات في المعلوماتية

يزخر تخصص المكتبات والمعلومات بالعديد من المصطلحات الفنية التي لا تزال تمثل مشكلة للمتخصصين، حيث إنها لم تحسم بعد بشكل قاطع، يجعل منها مصطلحات مستقرة، وذلك نظراً لتفاوت الاجتهادات في هذا الصدد، ولتفاوت البيئات والثقافات التي ينتمي إليها الباحثون . ولعل من أبرز تلك المصطلحات التي تثير الجدل حول تحديد مفهومها مصطلح ( صناعة المعلومات ) . فما المقصود به ؟ وما هويته ؟ وما طبيعته ؟ وما هي مكوناته؟ وهل يتداخل مع مصطلحات أخرى في التخصص ؟ هذا ما يحاول الكاتب الإجابة عنه بشكل موجز في السطور اللاحقة .ولابد أن نشير في البداية إلى أن مصطلح صناعة المعلومات INFORMATION INDUSTRY يتكون من شقين هما : (صناعة) و (معلومات) ؛ وإذا كان من السهل تعريف الشق الأول، فإن الصعوبة الحقيقية تكمن في تعريف الشق الثاني، وذلك نظراً لتعقد لفظ المعلومات، وتشعب طبيعتها، وغموض معناها، علاوة على أن كلمة " معلومات " تعد من الكلمات التي يصعب تعريفها نظراً لسعة مدلولها . ومما زاد الوضع تعقيداً أن الباحثين الذين تناولوا المصطلح المشار إليه ينتمون إلى خلفيات علمية متباينة، لدرجة أن بعضهم ذهب إلى أن هناك أكثر من 400 تعريف للمعلومات، قام بوضعها باحثون في مختلف المجالات والثقافات والبيئات . كما وضح بعض علماء المعلومات والاقتصاد في العالم العربي والغربي وجهة نظرهم من هذا المفهوم المعقد ( الصناعة المعلوماتية )، وتفاوتت أساليب معالجتهم في هذا الصدد . فبعضهم تناوله بشكل منفرد بوصفه ظاهرة قائمة بذاتها، والبعض الآخر تناوله ضمن مفاهيم أخرى تتعلق باقتصاديات المعلومات، والتخطيط الوطني للمعلومات، وسياسة المعلومات، وعصر المعلومات، ومجتمع المعلومات، وقطاع المعلومات. وفي هذا السياق ذهبت إحدى الباحثات إلى أن صناعة المعلومات تعد إحدى مجالات اقتصاديات المعلومات التي تحدد ملامح المجتمع ما بعد الصناعي، وتمثل أحد دعائم الإنتاج الوطني، ويشمل مفهوم الصناعة هنا جميع النشاطات المتعلقة بإنتاج المعلومات وتجهيز الخدمات .وكان للباحث المعروف ولفرد لانكستر اهتمام ملحوظ بهذا الجانب، حيث يرى أن المعلومات شيء غير محدد المعالم، بمعنى أنه لا يمكن رؤيته أو سماعه أو لمسه . فالإنسان يحاط علماً في موضوع معين إذا ما تغيرت حالته المعرفية بشكل ما . ويرى باحث آخر أن لفظ المعلومات يشمل جميع أنواع المعرفة التي يمكن اكتسابها من خلال الملاحظة أو السماع أو القراءة أو البحث أو التعليم أو الاتصال بالآخرين أو أي قناة أخرى . الأمر الذي حدا بالبعض إلى أن يستنتج من استقرائه لأدب الموضوع أن كلمة المعلومات في حد ذاتها تعد من الكلمات المعقدة، ولها من المدلولات والاستخدامات ما يفوق الحصر، إذ من الصعوبة بمكان الاتفاق على مفهوم موحد لهذه الكلمة .ونعود إلى الشق الأول لمصطلح صناعة المعلومات، وهو ( الصناعة )، وهنا يحسن أن نعطي القارىء لمحة موجزة للغاية عن طبيعة هذه الصناعة بمفهومها الشامل، وذلك بغرض تهيئته لاستيعاب المصطلح المشار إليه بشكل يناسب طبيعة هذه المقالة الموجزة . ونقول إن الصناعة تنقسم بدورها إلى نوعين هما : الصناعة الاستخراجية، والصناعة التحويلية . وهذا النوع الثاني هو الذي يهمنا هنا، ويقصد به ذلك النشاط الاقتصادي الذي يعنى بتحويل المواد الأولية ( المواد الخام ) إلى منتجات كاملة الصنع أو شبه مصنعة، وذلك من خلال مزج المواد أو تشكيلها أو تهيئتها أو تعبئتها بغية تغيير صورتها النهائية لمنتج أو سلعة أكثر نفعاً واستخداماً وأهمية .ويمكن أن ننظر إلى مفهوم صناعة المعلومات كأحد جوانب السياسة الوطنية للمعلومات، حيث تعد المعلومات في الوقت الراهن ثروة وطنية ذات قيمة ومردود اقتصادي، وتسهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للوطن . وتعنى المؤسسات في القطاعين العام والخاص بصناعة المعلومات، وبعض تلك المؤسسات يركز على شراء الملكية الفكرية للمؤلفين وغيرهم، وتعمل على تجهيزها بطرق مختلفة، ومن ثم توزعها وتبيعها على الجمهور المستهلك . وهناك مؤسسات أخرى تركز على توصيل المعلومات مثل شركات الاتصالات والبث بالأقمار الصناعية ومحطات الإذاعة والتلفاز، إضافة إلى استخدام تلك القنوات لتسويق منتجاتها مثل الناشرين والمكتبات . وثمة نوع ثالث من تلك المؤسسات تركز على معالجة المعلومات من خلال صناعة الأجهزة والبرامج . ولا غرابة أن تصبح صناعة المعلومات بما تحتويه من عمليات الجمع والإنتاج والتجهيز والتوزيع مورداً اقتصادياً مهماً في مختلف دول العالم وبخاصة الدول الصناعية الكبرى، ومن المتوقع أن تشكل هذه الصناعة المورد الأساس للاقتصاد خلال السنوات القادمة .ويذهب ليو زيادونج LUI ZHAODONG في معرض حديثه عن صناعة المعلومات بالصين إلى أنه من الممكن تحديد نطاق هذا المصطلح بحيث يشمل الأنشطة الإنتاجية الشاملة والبنية الأساسية كالبحث والتنمية وتطبيقات التقنية المعلوماتية، إضافة إلى خدمات المعلومات الموجهة نحو التطوير الاقتصادي . ويقسم زيادونج صناعة المعلومات إلى قسمين كبيرين يتمثلان في : تقنية المعلومات ( والصناعات المرتبطة بها )، وخدمات المعلومات . وتشمل الفئة الأولى الإلكترونيات المصغرة، وتقنية الحاسب والاتصال والوسائط المتعددة MULTIMEDIA والوسائل السمعية والبصرية والتصوير المصغر والنشر الإلكتروني، إضافة إلى التجهيزات المعلوماتية المصاحبة لهذه التقنية . وتشمل الفئة الثانية ( خدمات المعلومات ) الخدمات التقليدية التي تعتمد على المواد المطبوعة، والخدمات الإلكترونية التي تشمل المعالجة المحسبة للمعلومات، وتطوير قواعد المعلومات، وإنتاج البرامج، والمطبوعات الإلكترونية، ونظم الاتصال والشبكات، وميكنة المكاتب، وغير ذلك من خدمات المعلومات والأنشطة الاستشارية المعتمدة على الحاسبات وشبكات الاتصال . ومن بين التعريفات الأخرى التي قد تحدد هوية صناعة المعلومات، هي أن المقصود بهذه الصناعة المؤسسات الحكومية والخاصة التي تنتج المحتوى المعلوماتي، والتي تقدم التسهيلات لوصول المعلومات إلى المستفيدين، والتي تنتج الأجهزة والبرامج التي تساعد على معالجة المعلومات . وبناء عليه يمكن تقسيم صناعة المعلومات إلى ثلاثة أقسام رئيسة على النحو التالي :1. صناعة المحتوى المعلوماتي :تقوم المؤسسات في القطاعين العام والخاص بإنتاج المحتوى المعلوماتي INFORMATION CONTENT أو الملكية الفكرية من خلال الكتّاب والمبدعين في المجالات الأخرى، حيث يقومون ببيع إنتاجهم للناشرين والإذاعات والموزعين وشركات الإنتاج التي تقوم بدورها بتجهيز المعلومات بطرق مختلفة، ومن ثم بيعها وتوزيعها على المستفيدين .2. صناعة إيصال المعلومات :ويختص هذا القسم بعملية بث أو تسليم أو إيصال المعلومات INFORMATION DELIVERY، وذلك من خلال إنشاء شركات الاتصالات بعيدة المدى وشبكات التلفاز الكابلي والبث بالأقمار الصناعية ومحطات الراديو والتلفاز، وتتولى بعض المؤسسات مثل بائعي الكتب والمكتبات استخدام القنوات المشار إليها وغيرها لتوزيع المحتوى المعلوماتي .3. صناعة معالجة المعلومات :تقوم صناعة معالجة المعلومات INFORMATION PROCESING على منتجي الأجهزة والبرمجيات، حيث يتولون تصميم وصناعة وتسويق الحاسبات والإلكترونيات والاتصالات بعيدة المدى ونظم التشغيل وحزم التطبيقات .ومن الممكن أيضاً تقسيم صناعة المعلومات إلى قسمين كبيرين هما : وسائل الإنتاج، ووسائل التوزيع والبث، والحقيقة أنه من الصعب وضع حد فاصل بينهما نظراً لوجود تداخل واضح في هذا السياق . ويبدو أن لصناعة المعلومات ارتباط وثيق بالصناعات الأخرى ذات العلاقة مثل الطباعة، وإنتاج الورق، والصناعات الإلكترونية . بل إن هناك من يقسم صناعة المعلومات إلى أربعة قطاعات كبيرة تتمثل في الآتي :1. صناعات مهتمة بتوزيع المعلومات : وتشمل النشر، وخدمات المعلومات العلمية والتقنية، وغيرها .2. صناعات مهتمة بإنتاج المعرفة : وتتضمن البحث والتطوير والتعليم .3. صناعات تهتم بالجانب الإعلامي : وتشمل الإذاعة والتلفاز والاتصالات عن بعد .4. صناعات تركز على الجوانب المالية : وتشمل البنوك وشركات التأمين والكفالة والعقار .ولعل ما يهمنا هنا من التقسيم السابق هو ذلك القطاع المتعلق بإنتاج المعلومات، حيث تم النظر في هذه المقالة إلى المعلومات على أنها ذات كيان اقتصادي، وتخدم كمورد رئيس، ومن الممكن استخدامها لإنتاج معلومات وخدمات أخرى، وبالتالي فيمكن استثمارها بوصفها سلعة ذات قيمة اقتصادية .ووفقاً للخطة الخمسية الأولى للعلوم والتقنية التي تقوم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية حالياً بإعدادها من خلال فريق عمل مكلف للقيام بالمهمة، فقد تم تعريف مصطلح صناعة المعلومات بأنه يغطي جميع أوجه الاهتمام بالمعلومات من حيث الإنتاج والنشر والتجميع والتعريف والتنظيم والتجهيز والاسترجاع والاستثمار .وتنبغي الإشارة في هذا المضمار إلى إمكانية استخدام مصطلح صناعة المعلومات في المكتبات ومؤسسات المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح تجهيز المعلومات بحيث يعني كل واحد منهما المعنى نفسه الذي يعنيه الآخر، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الخدمات التالية ضمن طرق تجهيز المعلومات :
الإعارة : بمعنى جعل مصادر المعلومات في متناول من يحتاجها من أفراد المجتمع بغرض استخدامها داخل المكتبة أو خارجها .
الاتصال المباشر : بمعنى استرجاع المعلومات بشكل مباشر عن طريق الطرفيات، حيث يتم الاتصال بنظم المعلومات في مناطق جغرافية متباعدة .
الإحاطة الجارية : بمعنى اختيار المواد ذات الصلة باحتياجات المستفيدين وإحاطتهم بها بغرض مساعدتهم في مواكبة المستجدات في مجال اهتمامهم، وذلك من خلال النشرات، وقوائم الإضافات الجديدة، والاتصالات الهاتفية، والتعريف بالبحوث الجارية، وغير ذلك من الوسائل الأخرى .
البث الانتقائي للمعلومات : وهو نمط متميز من الإحاطة الجارية، حيث يتم تعريف كل مستفيد على حدة بالمواد المتعلقة بموضوع بحثه . ويقدم هذا النمط من الخدمات في الغالب لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد المتخصصة والكليات والشركات والمؤسسات الخاصة التي توجد بها مكتبة أو مركز معلومات . ويتطلب إنجاز هذه الخدمة إجراء مسح شامل للباحثين، وتحديد اهتمامات كل باحث بشكل منفرد، وتصميم استمارة تتضمن معلومات بهذا الخصوص، ومن ثم مقارنة هذه الاستمارة بكل جديد يصل إلى المكتبة .
الإجابة عن الأسئلة والاستفسارات : بمعنى التوجيه والإرشاد ومساعدة الباحثين في الوصول إلى المعلومات من خلال الاستعانة بمجموعة من المراجع الإلكترونية .
التصوير والاستنساخ : حيث أسهمت التطورات التقنية الحديثة في انتشار هذه الخدمة التي قد تكون على الورق أو على شكل مصغرات فيلمية .بل إنه من الممكن أيضاً استخدام مصطلح صناعة المعلومات بطريقة تبادلية مع مصطلح صناعة المعرفة، وفي هذا الإطار فقد ذهب الباحث ماكلوب روبين MACHLUP RUBIN إلى أن الصناعة المعلوماتية تشمل المهن والوظائف التي تهدف إلى إنتاج أو تشكيل أو تجهيز أو معالجة المعلومات، ومن ثم توزيعها أو بثها، وهي تضم خمسة أقسام رئيسة تتمثل في :
التعليم .
البحوث والتنمية .
وسائل الإعلام والاتصال .
آلات المعلومات .
خدمات المعلومات . ويشاطر محمد عبدالهادي الرأي السابق نفسه، ويستخدم مصطلح صناعة المعرفة عوضاً عن مصطلح صناعة المعلومات، إذ لا يوجد في تصوره فرق بينهما، ويرى عبدالهادي أنه أصبح يطلق على المجتمع المعاصر مجتمع المعلومات، حيث يتم الاعتماد عليها بصفتها مورداً استثمارياً، وسلعة استراتيجية، وخدمة، ومصدراً للدخل الوطني، ومجالاً رحباً للقوى العاملة . وحينما تأصلت في المجتمع النظرة تجاه المعلومات بوصفها مورداً أساسياً يمكن أن يباع ويشترى برزت ظاهرة صناعة المعلومات أو صناعة المعرفة .ويقترب كل من الوردي والمالكي من تصور عبدالهادي، حيث يعتقدان أنه يمكن النظر إلى المعلومات على أنها سلعة مثل بقية السلع، بمعنى أنه يمكن إنتاجها وتجهيزها وتعبئتها في أوعية مختلفة وتسويقها واستخدامها، ولكن ما يميزها عن السلع الأخرى أنها لا تفنى ولا تنضب مع الاستخدام، بل تنمو بمرور الوقت وتتجدد . كما أن المعلومات ليست سلعة استهلاكية تنتهي مع الاستعمال، وإنما هي سلعة منتجة يجب رعايتها، وتوفير الأجواء لتنميتها بطرحها للاستعمال . وقد ندرج صناعة الثقافة تحت مظلة صناعة المعلومات، وذلك من منطلق إعادة إنتاج أو نقل منتجات ثقافية بالطرق الصناعية، الأمر الذي يسهم في تعميم الثقافة على المستوى الجماهيري . وفي هذا الإطار يرى الوردي والمالكي أن مصادر انتفاع الناس بأعمال الإبداع الثقافي كانت في بدايات القرن العشرين مقصورة على مجال بيع الكتب والمكتبات والمسارح وقاعات الموسيقى، أما اليوم فإن منتجات الثقافة من كتب وأفلام وتسجيلات وبرامج تلفزيونية تصل إلى جمهور يعد بالملايين . ويمثل ذلك ديمقراطية صناعة المعلومات وانتشارها بين أوساط الجماهير بعد أن كانت منتجات الثقافة وقفاً على المثقفين والأغنياء وفئات محدودة في المجتمع .ومن خلال استقراء السطور السابقة التي حاولت تحديد مفهوم صناعة المعلومات نستطيع أن نخرج بالانطباعات التالية :1. كثرة المعاني المرتبطة بكلمة المعلومات، وذلك نتيجة لاستخدامها في مختلف مجالات الحياة المعاصرة .2. البعد الاقتصادي للمعلومات بوصفها مورد أو سلعة قابلة للتداول . إذ إن صناعة المعلومات لا تمثل في الوقت الراهن سلعة ثمينة فحسب بل إنها تمثل لب الاقتصاد العالمي والمصدر الرئيس للدخل القومي، حيث ثبت أن قطاع المعلومات ينتج حوالي نصف الدخل القومي في الولايات المتحدة الأمريكية وحوالي 40% من الدخل القومي للدول الأوروبية المتقدمة .3. إذا كانت المعلومات مورداً ثرّاً، ومعيناً لا ينضب، فينبغي العمل على استثمارها وتنميتها وتوظيفها لخدمة التقدم في مختلف المجالات . ذلك أن المعلومات لا قيمة لها في حد ذاتها، بل إن قيمتها الحقيقية تكمن في استخدامها من قبل الفئات المستهدفة (الجمهور الفعلي أو المحتمل ACTUAL OR EXPECTED USERS ) . وبعبارة أخرى فلكي تكون المعلومات مفيدة فلابد أن يتحقق الاستثمار الأمثل لها من خلال معالجتها وتوظيفها في مشروعات التنمية وفي صنع القرارات . وهذا الاستثمار أو الاستخدام يتطلب تجهيز المعلومات في شكل منتجات أو خدمات من خلال الاستعانة بالتقنية، وهذا هو لب الموضوع الذي تناوله الباحث في هذه الدراسة . 4. بخصوص المترادفات في المصطلحات، واستخدام أكثر من مصطلح للتعبير عن الفكرة ذاتها، فهذه في نظر الباحث قضية هامشية إذا نظرنا إليها في سياق التحولات التي طرأت على المجتمعات المتقدمة، حيث تحولت من الزراعة إلى الصناعة ثم إلى المعلومات والخدمات . الأمر الذي قلل من أهمية الجهد العضلي أو البدني ومن قيمة الأعمال الذهنية النمطية طالما أن استخدام الحواسيب كفيل بمعالجة الكثير من المشكلات، وطالما أن الأتمتة AUTOMATION منتشرة في كل القطاعات وبخاصة مع التلاحم بين العلم والتقنية . ولذلك فسواء أطلقنا على المجتمع المعاصر المجتمع الصناعي أو المجتمع المعرفي، وسواء قلنا صناعة المعلومات أو صناعة المعرفة فالنتيجة واحدة، إذ أن ما يميز مجتمع ما بعد الصناعة هو الرخاء وانتشار المعرفة وتوافر المعلومات، لذا فمن الطبيعي أن يسمى بمجتمع المعرفة أو مجتمع المعلومات .5. مع أن التعريفات السابقة لمفهوم صناعة المعلومات تمثل اجتهادات لبعض الباحثين، فهناك من يرى صعوبة وضع تعريف دقيق لهذا المفهوم، وذلك بسبب صعوبة تعريف مصطلح مجتمع المعلومات INFORMATION SOCIETY، فهو لا يزال غير واضح المعالم بشكل تام . وقد استطاع محمد عبدالهادي حصر مجموعة من التعريفات التي تقرب مفهوم هذا المجتمع وطبيعته إلى الذهن، وذلك على النحو التالي :(أ) التحول من مجتمع صناعي إلى مجتمع معرفي، حيث المعلومات هي القوة الدافعة للأفراد والمسيطرة على المجتمع .(ب) المجتمع الذي ينشغل معظم أفراده بإنتاج المعلومات أو جمعها أو اختزانها أو معالجتها أو توزيعها .(ج) المجتمع الذي يعتمد في تطوره بصفة رئيسة على المعلومات والحاسبات وشبكات الاتصال التي تعمل على تجهيز المعلومات ومعالجتها وتسويقها .(د) المجتمع الذي تستخدم فيه المعلومات بكثافة كوجه للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .(هـ) المجتمع الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على المعلومات الوفيرة كمورد استثماري وسلعة استراتيجية وخدمة ومصدر للدخل القومي ومجال للقوى العاملة .والحاصل أنه تم الحديث عن مصطلح صناعة المعلومات في السطور السابقة بوصفه يشكل ظاهرة تعنى بصنع معلومات جديدة أو إعادة تشكيل المعلومات الموجودة في شكل يلائم احتياجات المستفيدين . ولذا فقد تم التعامل مع مفهوم صناعة المعلومات بشيء من الشمولية والمرونة، بحيث يستوعب جميع البرامج والنشاطات والوظائف والخدمات وبخاصة تلك التي تنصب على مجتمع المستفيدين، وتستند على تقنية الحاسب في تقديمها.لقد صحب هذا التوسع في المفهوم وهذا التطور في الصناعة المعلوماتية في نطاق المكتبات ومراكز المعلومات العديد من التحديات لمهنة المعلومات، حيث اتسع نطاق هذه المهنة، وتعددت مجالاتها، وأصبحت المعرفة متاحة على نطاق واسع، كما زادت كمية المعلومات التي تخضع للمعالجة نظراً للتقدم في المجال التقني . بل إن تطور هذه الصناعة صحبه على الطرف الآخر تحديات للعاملين في المهنة، حيث يفترض أن يكون تأهيلهم عالياً، ولديهم حساسية تجاه المستفيدين الذين تعقدت بالتالي احتياجاتهم، وأصبحوا بحاجة إلى اختصاصي معلومات قادرين على تلبيتها . الأمر الذي فرض على العاملين في القطاع المعلوماتي ضرورة تنمية المهارات المهنية من خلال التعليم المستمر والالتحاق بالدورات التدريبية التي تعوض نقاط الضعف في هذا الصدد .ومن الملاحظ أن العالم شهد تحولاً من المجتمع الزراعي ( المواد الأولية والطاقة الطبيعية ) إلى المجتمع الصناعي ( الطاقة المولدة ) إلى المجتمع المعلوماتي (الحاسبات والشبكات) . وكان للتطورات في مجال الاقتصاد والتقنية دور كبير في بزوغ صناعة المعلومات، فمنذ الستينيات الميلادية من القرن العشرين ظهر قطاع المعلومات كقطاع مهم من قطاعات الاقتصاد، حيث أصبح إنتاج المعلومات وتجهيزها وتوزيعها نشاطاً اقتصادياً رئيساً في أغلب دول العالم . وأصبح من الملامح البارزة في الوقت الراهن التحول من اقتصاد الصناعات إلى اقتصاد المعلومات، ومن إنتاج البضائع والسلع إلى إنتاج المعلومات .وإذا كانت صناعة المعلومات ظاهرة حديثة نسبياً، فإن البذرة الأولى لهذه الظاهرة ضاربة الجذور . فقد ظهر الشكل البدائي لصناعة المعلومات منذ سنوات طويلة، حيث كانت البداية مع الكتابة على الألواح والطين ثم لفافات البردي والورق، ومع ظهور الطباعة برزت صناعة الكتاب بشكل ملحوظ، ومن ثم تطورت وسائل الصناعة المعلوماتية بفضل تقنية المعلومات والاتصالات وبخاصة الحاسوب والإنترنت التي لها قدرة هائلة على تخزين المعلومات ومعالجتها واسترجاعها . الأمر الذي أسدى خدمات جليلة لمؤسسات المعلومات بغية السيطرة على الظاهرة المعلوماتية، وتطوير خدمات المستفيدين، وتجهيزها في أنماط عديدة، ونشرها على أكبر نطاق ممكن، بحيث أصبحت في متناول المناطق الريفية والنائية . وهذا يعني أن الصناعة الحقيقية للمعلومات لم تظهر بمفهومها الحديث إلا في السنوات الأخيرة عندما تم الدمج بين المعلومات والتقنية، وكان ذلك على وجه التحديد في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، حيث شعرت المكتبات بضرورة السيطرة على انفجار المعرفة، وعلى سيلها الجارف الذي يصدر بمختلف اللغات والأشكال والموضوعات . ومع تنوع احتياجات المستفيدين وتعقدها شعرت مؤسسات المعلومات بأنها مطالبة بأن تعمل جادة على تحسين خدماتها وتعزيز فاعليتها في المجتمع . سالم محمد السالمأستاذ المكتبات والمعلوماتالمراجع :
السريحي، حسن عواد ؛ وشاهين، شريف كامل . مقدمة في علم المعلومات . جدة: دار الخلود للنشر والتوزيع، 1417هـ .
السريع، سريع محمد . خدمات المكتبات في المملكة العربية السعودية : واقعها ورضاء المستفيدين عنها واتجاهات تطويرها : بحث ميداني . سريع محمد السريع، خالد عبدالرحمن الجبري، فهد بن محمد الفريح . الرياض : معهد الإدارة العامة، 1423هـ .
عبدالهادي، محمد فتحي . أسس مجتمع المعلومات وركائز الاستراتيجية العربية في ظل عالم متغير . دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات . مج 4، ع 3 (سبتمبر 1999م) . ص ص 124 - 138 .
عبدالهادي، محمد فتحي . مقدمة في علم المعلومات . القاهرة : مكتبة غريب، 1984م .
العرفج، خالد عبداللطيف . صناعة المعلومات في المملكة العربية السعودية : دراسة تحليلية لقضايا وخيارات السياسة الوطنية للمعلومات . الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية، 1418هـ ( السلسلة الأولى : 24 ) .
لانكستر، ولفرد . نظم استرجاع المعلومات . ترجمة حشمت قاسم . القاهرة : مكتبة غريب، 1981م .
متولي، ناريمان إسماعيل . اقتصاديات المعلومات : دراسة للأسس النظرية وتطبيقاتها العملية على مصر وبعض البلاد الأخرى . القاهرة : المكتبة الأكاديمية، 1995م .
RUBIN , MACHLUP . THE SIZE AND SCOPE OF THE INFORMATION ECONOMY : AN HISTORICAL OVERVIEW , IN : INFORMATION : A STRATEGY FOR ECONOMIC GROWTH , PAPERS PRESENTED AT THE STATE OF THE ART INSTITUTE . NOVEMBER , 6 - 8 , 1989 . WASHINGTON , D . C . SPECIAL LIBRARIES ASSOCIATION , 1990 .
نقلا عن

ليست هناك تعليقات: